أخبارمقالات وبحوث

القمة الخليجية الأمريكية 2025: نقطة تحول في الشراكة الخليجية الأمريكية

بقلم: بسام فهد ثنيان الغانم

اليوم الأربعاء الرابع عشر من مايو 2025، استضافت الرياض القمة الخليجية الأمريكية الخامسة، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، برئاسة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

جاءت القمة ضمن زيارة ترامب الأولى للمنطقة في ولايته الثانية، لتعزز الشراكة الاستراتيجية بين دول الخليج والولايات المتحدة، ولتؤكد دور المنطقة المحوري في مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية، مع التركيز على تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني.

ظروف القمة وأهميتها الاستراتيجية

تُعقد القمة في خضم مشهد إقليمي ودولي مضطرب، يتسم بالتصعيد الحوثي في اليمن، التعقيدات المتصاعدة للقضية الفلسطينية، والمواجهات المحتدمة مع إيران، فضلاً عن تحديات عالمية ملحة تتمثل في ضمان استقرار أسواق الطاقة وحماية أمن الممرات البحرية. هذا الإطار يجعل القمة منصة حيوية لصياغة حلول استراتيجية وتعزيز الاستقرار الإقليمي والعالمي.

اختيار السعودية كأول وجهة خارجية لترامب يعكس مكانتها كقائد إقليمي وشريك استراتيجي رئيسي لواشنطن.

سبق القمة لقاء ثنائي بين الأمير محمد بن سلمان وترامب بالأمس في 13 مايو 2025، شهد توقيع اتفاقيات دفاعية واقتصادية، بما في ذلك تعهد سعودي باستثمارات تصل إلى 600 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع المقبلة، مع إمكانية زيادتها إلى تريليون دولار.

هذا اللقاء مهد لنقاشات القمة، مؤكدًا التنسيق الوثيق بين الرياض وواشنطن.

خلال القمة أكد الأمير محمد بن سلمان أن الولايات المتحدة شريك تجاري أساسي، مشيرًا إلى أن حجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة بلغ 120 مليار دولار في عام 2024.

هذا الرقم يعكس العلاقات الاقتصادية القوية، حيث تصدر الولايات المتحدة أنظمة دفاعية وتكنولوجيا متقدمة إلى دول الخليج، بينما تستورد النفط والغاز، مع ميزان تجاري يميل لصالح واشنطن.

تُعد القمة امتدادًا للقمة الأولى التي عُقدت في الرياض عام 2016، والتي أسفرت عن صفقات اقتصادية ودفاعية بقيمة تزيد عن 400 مليار دولار، ومع الرقم الجديد للتبادل التجاري (120 مليار دولار في 2024)، تسعى القمة إلى تعزيز الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة، الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، مما يدعم رؤية السعودية 2030 وأهداف التنمية الاقتصادية في دول الخليج.

الحضور والتنظيم

ترأس القمة الأمير محمد بن سلمان، بحضور قادة وممثلي دول الخليج:

الكويت: الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، أمير الكويت.

قطر: الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر.

البحرين: الملك حمد بن عيسى آل خليفة.

الإمارات: الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي.

عمان: أسعد بن طارق آل سعيد، نائب رئيس الوزراء.

وقد أدار الأمير محمد بن سلمان النقاشات بكفاءة، وسط تنظيم دقيق.

محاور النقاش الرئيسية

تناولت القمة عدة قضايا حيوية:

أولاً: الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب:

1- دعا الأمير محمد بن سلمان إلى إنهاء الحرب في غزة وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية يضمن حقوق الشعب الفلسطيني.

2- أكد ترامب التزام إدارته بالإفراج عن الرهائن في غزة، مشيرًا إلى ضربة عسكرية ضد الحوثيين في اليمن ردًا على هجماتهم على السفن في البحر الأحمر، وهو ما يعكس التزام واشنطن بحماية الممرات البحرية.

3- ناقشت القمة تعزيز التعاون الاستخباراتي لمكافحة الإرهاب، مع التركيز على التهديدات الإقليمية.

ثانياً: الملف الإيراني:

1- عبر ترامب عن استعداده للتفاوض مع إيران لإبرام اتفاق جديد، لكنه اشترط توقف طهران عن دعم الجماعات الإرهابية وعن السعي لامتلاك أسلحة نووية، مؤكدًا: “لن نسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي”.

2- أبدت دول الخليج قلقها من الأنشطة الإيرانية، داعية إلى حلول دبلوماسية تحافظ على الاستقرار.

ثالثاً: الوضع في سوريا:

1- رحب الأمير محمد بن سلمان بقرار ترامب رفع العقوبات عن سوريا، وهو ما وصفه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ”القرار التاريخي”.

2- عقد ترامب والأمير محمد بن سلمان وأردوغان والرئيس السوري أحمد الشرع اجتماعًا عبر الإنترنت لمناقشة تطبيع العلاقات مع دمشق، مع التأكيد على وحدة الأراضي السورية ودعم جهود إعادة الإعمار.

رابعاً: التعاون الاقتصادي.. شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد:

1- أكدت القمة التزام دول الخليج بتعزيز الاستثمارات في الولايات المتحدة، مع توقعات بتوقيع صفقات كبرى في مجالات التكنولوجيا، الطاقة المتجددة، وأشباه الموصلات.

2- أشار الأمير محمد بن سلمان إلى أن حجم التبادل التجاري الخليجي الأمريكي بلغ 120 مليار دولار في 2024..

بعض تفاصيل التبادل:

1. التبادل التجاري: نمو ملحوظ وتوسيع الشراكات

بلغ حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي في عام 2024 حوالي 125.9 مليار دولار، مع توزيع يشمل:

-المملكة العربية السعودية: 32.5 مليار دولار.

-الإمارات العربية المتحدة: 34.4 مليار دولار.

-قطر: 6.8 مليار دولار.

-الكويت: 4.7 مليار دولار.

-عُمان: 3.6 مليار دولار.

-البحرين: 2.9 مليار دولار

تشير هذه الأرقام إلى نمو مستمر في العلاقات التجارية، مع تركيز على القطاعات الحيوية مثل الطاقة، التكنولوجيا، والدفاع.

2. الاستثمارات المتبادلة: التزامات ضخمة في قطاعات استراتيجية

-السعودية:

أعلنت عن التزام باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة على مدى أربع سنوات، تشمل مجالات الدفاع، الطاقة، والذكاء الاصطناعي.

وقعت صفقة دفاعية بقيمة 142 مليار دولار مع الولايات المتحدة، تُعد الأكبر في تاريخ العلاقات الدفاعية بين البلدين.

الإمارات:

تخطط لاستثمار 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة خلال العقد المقبل، مع التركيز على تقنيات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات.

شركة G42 الإماراتية وقعت اتفاقيات مع شركات أمريكية مثل Cisco لتعزيز التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني.

3. التعاون التكنولوجي: تعزيز القدرات في الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية

شركة Nvidia الأمريكية أعلنت عن بيع مئات الآلاف من شرائح الذكاء الاصطناعي إلى السعودية، مع تسليم أول دفعة من 18,000 شريحة إلى شركة Humain السعودية المدعومة من صندوق الاستثمارات العامة.

شركة AMD دخلت في شراكة بقيمة 10 مليارات دولار مع Humain لتطوير بنية تحتية حوسبية للذكاء الاصطناعي بقدرة 500 ميغاواط.

شركة DataVolt السعودية تخطط لاستثمار 20 مليار دولار في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية للطاقة في الولايات المتحدة.

4. التعاون الدفاعي والأمني: تعزيز القدرات العسكرية والشراكات الاستراتيجية

الولايات المتحدة وافقت على بيع صواريخ جو-جو متقدمة بقيمة 3.5 مليار دولار للسعودية، مما يعكس تعميق التعاون الدفاعي بين البلدين.

الولايات المتحدة والإمارات تعملان على تعزيز التعاون في مجالات الدفاع والأمن السيبراني، مع التركيز على تطوير القدرات المحلية.

وقد أشاد ترامب بالنمو الاقتصادي في دول الخليج، بقوله: “الفرص الاستثمارية في هذه المنطقة تجذب أنظار العالم”.

خامساً: قضايا إقليمية أخرى:

1- دعمت القمة وقف إطلاق النار في السودان وتشجيع الحوار بين الأطراف اليمنية لتحقيق السلام.

2- أثيرت تقارير عن نية ترامب الإعلان عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو ما قد يعزز الاتفاقيات الإبراهيمية التي تتبناها الولايات المتحدة ويشجع دولًا أخرى على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

دلالات القمة وتأثيرها

تحمل القمة دلالات استراتيجية متعددة:

   1- تعزيز الشراكة الخليجية الأمريكية:

أكدت القمة على العلاقات التاريخية بين الجانبين، مع التركيز على الأمن المشترك والتنمية الاقتصادية، حيث يعكس حجم التبادل التجاري (أكثر من 120 مليار دولار في 2024) قوة هذه الشراكة.

 2- الدور السعودي القيادي:

عززت القمة مكانة المملكة كمركز دبلوماسي ووسيط إقليمي، حيث أظهر الأمير محمد بن سلمان قدرة على قيادة النقاشات نحو تحقيق أهداف مشتركة.

     3- تأثير إقليمي وعالمي:

من المتوقع أن تسهم القمة في تهدئة التوترات في سوريا وغزة والسودان، وأن تدعم استقرار أسواق الطاقة العالمية من خلال التنسيق بين دول الخليج والولايات المتحدة.

ردود الفعل

▪️الأمير محمد بن سلمان: أكد أن القمة تجسد حرص دول الخليج على العمل الجماعي لتعزيز الاستقرار والتنمية، مشددًا على دعم المملكة للقضايا العادلة، بما في ذلك القضية الفلسطينية.

▪️دونالد ترامب: أشاد بالتقدم الاقتصادي في دول الخليج، معربًا عن التزامه بمواجهة التحديات الأمنية وتعزيز الشراكات الاقتصادية.

▪️رجب طيب أردوغان: رحب برفع العقوبات عن سوريا، مؤكدًا دعم تركيا لجهود إعادة إعمار دمشق ومكافحة الإرهاب.

تحديات وتوقعات

تواجه القمة تحديات أبرزها الخلافات حول السياسات الأمريكية تجاه غزة، حيث تتمسك دول الخليج بضرورة حل عادل للقضية الفلسطينية.

كما قد تؤثر الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على التجارة الخليجية، مما يتطلب تنسيقًا دقيقًا لتخفيف التداعيات.

يتوقع المراقبون أن تفتح القمة آفاقًا جديدة للتعاون خاصة مع العلاقة الوثيقة بين ترامب والقادة الخليجيين، ومع خطط ترامب لزيارة قطر والإمارات بعد الرياض يُرجح أن تشهد المنطقة المزيد من الصفقات الاقتصادية والدبلوماسية، مع احتمال إعلانات كبرى مثل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مما قد يغير موازين القوى في المنطقة.

وأخيرا..

القمة الخليجية الأمريكية 2025 في الرياض شكلت منصة استراتيجية لتعزيز الشراكة بين دول الخليج والولايات المتحدة، مع تأكيد على العلاقات الاقتصادية القوية التي تجاوزت 120 مليار دولار في التبادل التجاري لعام 2024، وستتجاوز أضعاف هذا الرقم خلال 2025، وستتجاوز التريليون دولار خلال هذا العقد.

وبقيادة الأمير محمد بن سلمان أثبتت المملكة قدرتها على توجيه النقاشات نحو تحقيق الاستقرار والتنمية.

مع توقعات بتأثيرات إيجابية على القضايا الإقليمية وأسواق الطاقة تظل هذه القمة نقطة تحول تؤكد مكانة دول الخليج كلاعب رئيسي في الساحة الدولية، وتعزز دورها في صياغة مستقبل المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى