مقالات وبحوث

الطلب المحلي الكبير للمعدات الطبية يتطلب إيجاد صناعة وطنية

أتى الأمر الملكي السديد بفصل الصناعة والثروة المعدنية عن الطاقة في وقت تضاعف حجم قطاعات الصناعة والتعدين والطاقة والصناعات اللوجستية بالمملكة خلال الخمسة والعشرين عاماً الماضية بقوة إلى أربعة أضعاف واستطاعت المملكة أن تصبح موطناً لأكبر الصناعات الأساسية وأكثرها تنافسية على مستوى العالم، واعتمد هذا النمو المطرد على تنافسية أسعار مدخلات هذه القطاعات، والاعتماد على توافــر رأس المــال والطاقــة وسياســات الدعــم الحكومــي فيما يخص اللقيم والأراضي والمياه. وعززت بيئة العمل ذات الضرائب المتدنية من تنافسية التكاليف، وكذلك سياسات ولوائح سوق العمل التي سهلت نمو هذه القطاعات بالاعتماد على عمالة أجنبية بأجور متدنية. وقامت عدد من الشركات الكبرى المملوكة للدولة بتوطين سلاسل القيمة لأعمالها، وحققـت نجاحاً ملحوظاً في هذا الجانب بزعامة شركتي أرامكو السعودية وسابك.

ولكن لم تحقق مساعي المملكة السابقة تنويعاً في مصادر عناصر التنافسية، إنما كونت قاعدة صناعية كبيرة تتضمن عدداً من القطاعات الصناعية، إلا أنها غير متنوعة بالقدر الكافي وتعتمد على ميزة انخفاض التكاليف في الوقت الذي يتطلب الأمر الاستثمار في تقنيات تحسين الإنتاجية ورفع الكفاءة والابتكار لتعزيز نمو القطاع الصناعي. وبالتالي وجد برنامج تطوير الصناعة الوطنية تحديات ارتبطت بعدة عوامل منها التوجهات العالمية التي تؤثر على الصناعة على مستوى العالم والتي من شأنها تغيير مستقبل الصناعات وأهمية العوامل التنافسية التي تحدد في نهاية المطاف الاقتصادات الرائدة، إذ تؤثر هذه الاتجاهات على عوامل التنافسية بزيادة أهمية بعضها وتقليص أهمية بعضها الآخر، ومن أمثلتها البحث والابتكار والإنتاجية تعتبر ذات أهمية أكبر الآن في ضوء التطور التكنولوجي، وأقل أهمية في الطاقة أو موفورية الطاقة ورأس المال.

والتحدي الآخر يكمن في التغير بالتوجهات الاقتصادية الداخلية، وقامت المملكة بعدد مــن الإصلاحات المهمة التي وإن كانت مهمة للاستدامة المالية للنموذج الاقتصادي للمملكة، إلا أنها أثرت على تطور قطاعات الصناعة والتعدين والطاقة والخدمات اللوجستية. وتتضمن هذه الإصلاحات تعديل أسعار الطاقة، وتغييـر هيكل سـوق العمل لتخفيض الاعتماد على العمالة الأجنبية، وتخفيض الدعم الحكومي. وعلى قطاعات الصناعة والتعدين والطاقة والخدمات اللوجستية البحث عن سبل جديدة للارتقاء بتنافسيتها وتحقيق معدلات نمو في ظل التحديات الحالية.

وساهمت الموجة الأولى من التنمية الصناعية في المملكة في نمو القطاع بواقع أربعة أضعاف خلال 25 سنة ماضية مستفيدة من موارد المملكة النفطية ومعتمدة على الدعم الحكومي والاســتثمارات. وخلال المرحلة المقبلة تحدد رؤية 2030 مستهدفات طموحة لاقتصاد المملكة، بما في ذلك القطاع الصناعي، الذي يجب أن ينمو بوتيرة أسرع من النمو التاريخي المسجل من أجل المساعدة على تحقيق الرؤية.

وفي الوقت نفسه، لا بد من أن يترافق النمو مع مجموعة جديدة مــن المبادئ التوجيهية كنتيجة للديناميكيات العالمية والمحلية المتغيرة. ويجب بناء هذه الموجة الثانية من النمو استناداً إلى محفظة أكثر تنوعاً من القطاعات وأن يقودها القطاع الخاص حيث تضطلع الحكومة بدور الممكّن. وبالتوازي، تقلص الاتجاهات العالمية ميزة المملكة التنافسـية من خلال زيادة ملاءمة العوامل التي تشكل عوائق نسبية لها تشمل الإنتاجية، والخدمات اللوجستية، والسياسات واللوائح، وتقليص أهمية عوامل القدرة التنافسية التي كانت في السابق نقطة قوة تقليدية في المملكة مثل توافر رأس المال والطاقة.

ولتحقيق النمو المرجو وتجاوز التغييرات في التنافسية العالمية، وضعت خطة نمو جديدة لتطوير الصناعة الوطنية تقوم على أربع ركائز استراتيجية تشمل الاستفادة من تعظيم العوائد من موارد المملكة الطبيعية، ودعم الطلب والمكانة لتعزيز القطاعات التنافسية الاستراتيجية، وتوفير منظومة تمكينية للشركات للتنافس بفعالية على الصعيد الإقليمي والعالمي، ودعم الابتكار التكنولوجي وانتشار الثورة الصناعية الرابعة من أجل تحسين الإنتاجية والحفاظ على تنافسية القطاعات ذات الأولوية. في حين يتضمن منهج النجاح الجديد في تركيـز استراتيجية برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجسـتية على أربع ركائز استراتيجية لتحسين القدرة التنافسية للمملكة والتوصل إلى صناعات مختارة وتطويرها.

ومن أهم الركائز الاستفادة من الموارد الطبيعية في المملكة لتعظيم العوائد الاقتصادية حيث تشكل الاحتياطيات المحتملة للثروة المعدنية غير المكتشفة التي تصـل قيمتها إلى 1,3 تريليون دولار فرصة فريدة من نوعها لقطاع التعدين عبر أكثر من 30 سلسلة قيمة معدنية. إضافة إلى تعزيز فرص كبيرة لصناعات محاذية للنفط والغاز لزيادة القيمة من الصادرات بين 41 % و122 %.

ومن المنتظر تعزيز بعض الصناعات التي يعتمد اختيارها على فرص التوطين ضمن مجالات تتمتع فيها المملكة بطلب عالٍ، ومنها صناعة السيارات حيث تعد المملكة البلد الوحيد ضمــن أول 20 دولة التي تتميز بأعلى طلب على السيارات والذي ليس لديه مركز إنتاج إقليمي. في وقت يعد الطلب في دول مجلس التعاون الخليجي كبيراً، يبلغ 1,3 مليون سيارة سنوياً، حيث تزيد حصة المملكة على 50 %.

وفي صناعة الأدوية هناك طلب محلي متزايد بنسبة 8 % سنوياً بقيمة تناهز 30 مليار ريال بحلول 2021 تلبي المملكة 20 % فقط من هذا الطلب. وهناك طلب إقليمي أكبر من الطلب في السوق المحلي بواقع ثلاث مرات. وفي صناعة الأجهزة والمستلزمات الطبية هناك طلب محلي كبير بقيمة 204 ملايين دولار ينمو بنسبة 12 % على أساس سنوي، واعتماد كبير على الواردات بنسبة 90 % من السوق الحالي.

وفي صناعة الآلات والمعدات هناك استهلاك محلي ملحوظ بقيمة 57 مليار ريال مع إمكانية كبيرة لاستبدال الواردات البالغة نسبتها 80 % من الطلب السعودي. وفي تحلية المياه يتوقع نمو الطلب المحلي بنسبة 60 % بحلول 2035 وهناك فرصة بقيمة ثمانية مليارات ريال لتوطين تصنيع منتجات تحلية المياه.

وفي تصنيع المواد الغذائية هناك نمو محلي بنسبة 8 % بقيمة 176 مليار ريال ونمو عالمي بنسبة 5 % بقيمة 6,3 تريليون ريال. وفي الصناعات العسكرية هناك طلب محلي كبير بالمرتبة الثالثة عالمياً تتم تلبيته بشكل رئيس بواسطة الواردات، مع نمو كبير للطلب على معدات التكنولوجيا المتقدمة ومنها الطائرات الآلية.

 

(الرياض)

زر الذهاب إلى الأعلى