التعليم

النظام الجديد للجامعات.. النهوض بجودة التعليم

قال عدد من المختصين في التنمية البشرية والتعليم الجامعي والاقتصاد: إن النظام الجديد للجامعات سيغير خريطة التعليم العالي في المملكة، ويضع الجامعة أمام محك الاستفادة من إمكانات مواردها البشرية والتقليل من الهدر المالي، مؤكدين على أن الهدف الرئيس من ذلك هو دفع الجامعات لبلوغ النضج الإداري بتحمل مسؤوليتها الإدارية والمالية والأكاديمية، والوقوف بثبات أمام المستجدات في التعليم لتخريج كفاءات لديها القدرة على توفير احتياجات السوق السعودي وسد الثغرات فيه، مبينين أن “الاستقلالية المنضبطة” ستحفز على التنافسية بين الجامعات وأنه من المتوقع أن يشهد المستقبل أيضاً اتجاهات جديدة وفرصا واسعة في عمليات الاستثمار الجامعي والتوسع الأفقي في جانب العرض والطلب، مع ضرورة جذب القطاع الخاص المكتفي بنجاحاته للدخول مع الجامعات في شراكات، شريطة أن يكون لديها ما تقدمه له، مثل أفكار أو اختراعات أو الشراكة معه في جزء من رأسمالها.

وأكد البروفيسور إبراهيم العثمان – أستاذ التربية الخاصة بجامعة الملك سعود – على أن الخصخصة ستنعكس إيجابياً على مستقبل الجامعات بمختلف تدرجاتها سواء الرائدة أو الصغرى أو الناشئة، وهذا سيقلل من الهدر المالي ويزيد من مستوى جودة التعليم العالي، ومن جانب أخرى هناك نقطة جديرة بالطرح وهو السماح للجامعات السعودية بفتح فروع خارجية لها وهذا يدخل في مجال الاستثمار وفي المقابل سيكون هناك مجال لفتح فروع لجامعات أجنبية في المملكة، وهذا سيخلق جواً من التنافس الكمي والكيفي على مستوى جودة التعليم وطبيعة التخصصات الجديدة التي تناسب سوق العمل في الفترة القادمة وإقفال ملف التخصصات التي لا طائل منها، وكذلك الابتعاد عن البيروقراطية، مضيفاً أن وجود فروع للجامعات الأجنبية سيزيد من حدة التنافس العلمي الذي سيصب في النهاية لمصلحة المواطن والوطن، مشيراً إلى أن أحد ركائز الرؤية هو نظام الجامعات الجديد وتنمية الموارد البشرية لتقوم بالإنفاق على مصروفاتها وأنشطتها، وهو توجه إيجابي، ذاكراً أن كل الخيارات مطروحة أمام الجامعات التي لديها قدرة على استثمار مرافقها وأوقافها بواسطة كادرها المؤهل لإدارة مشروعاتها من أساتذتها والمهندسين والمختصين في مجالات الأعمال التابعين لها، وأنها بالتأكيد ستنجح في إدارة مواردها وذلك بالطبع حسب حجم ومكانة الجامعة وقدرتها.

وأشارت د. نوف الغامدي – عضو اللجنة الوطنية للمكاتب الاستشارية بمجلس الغرف السعودية – إلى أن نظام الجامعات سيجعلها تحاول الخروج من فكرة المؤسسة المعتمدة كلية على الدولة في إنفاقها، إلى مؤسسات قادرة على ضخ موارد مالية تقوم بها على مصاريفها، مضيفةً أن الهدف الرئيس هو دفع الجامعات لبلوغ النضج الإداري بتحمل مسؤوليتها الإدارية والمالية والأكاديمية، وتغيير ثقافة الاتكال والاتكاء إلى الوقوف بثقة للمنافسة وإثبات الذات، مؤكدةً على أن النظام الجديد للجامعات سيغير خريطة التعليم العالي في المملكة، وإنْ نجحت الجامعات الثلاث المختارة كمرحلة أولية، والاختبار هنا هو تحقيق الكفاءة بما تتضمنه الكلمة من جودة تعليم وحوكمة رشيدة واكتفاء ذاتي، مبينةً أن الجامعات المختارة تعتبر الأقوى على مستوى المملكة، والأقدر على تحقيق مواد النظام الجديد، لما يملكوه من بنية تحتية وموارد بشرية، ومع هذا سيظل أمامهم تحدٍّ كبير، وتحول منهجي في إدارة المؤسسة، لافتةً إلى أن المملكة بمساحتها الشاسعة، والعدد الكبير في جامعاتها، وكلياتها الناشئة التي تخدم كل المناطق، بحاجة إلى التخصيص، أي أن تختار كل منطقة تخصصات معينة لمؤسساتها؛ بحيث تصبح هي مركز معلومات ومصدراً بشرياً لهذا التخصص، بدلاً من إغراق السوق بتخصصات من كل المناطق.

وذكرت د. نوف الغامدي أن رؤية المملكة 2030 ترى أن المملكة بحاجة إلى جامعات بحثية، ترمي بثقلها في الأبحاث العلمية في كافة التخصصات، وتنافس عالمياً على براءات الاختراع، وبيع منتجاتها البحثية، وأيضاً الحاجة قائمة لجامعات تركز على التدريس وتطوير أساليبه، لتكون مخرجاتها مؤهلة لسوق عمل تبحث عن كفاءات متمكنة علمياً، والنوع الثالث من الجامعات هي التطبيقية خصوصاً لدرجتي “الدبلوم” و”البكالوريوس”، وهذه الجامعات تحديداً سيكون لها دور كبير على المدى البعيد، بالنسبة لدولة تطمح في مرحلة ما للدخول في عجلة الصناعة والإنتاج والوظائف الفنية الحرة، مضيفةً أن النظام الجديد فتح الباب أمام الجامعات للاستثمار، وإنشاء شركات، أو المساهمة فيها، وبرامج أوقاف من المنح وغيرها أي خصخصة جزئية، إذ أن أحد أهم عناصر النجاح للجامعة وسمعتها هو قدرتها على بناء برنامج وقفي يمنحها اكتفاء ذاتياً في الإنفاق، وستحقق الجامعات ما كانت تنادي به سابقاً، وهي الاستقلالية؛ لكنها ستكون تحت مظلة مجلس شؤون الجامعات، وستُمثل الجامعة برئيسها عضواً، وستكون لكل جامعة حرية وضع لوائحها الإدارية والمالية والأكاديمية؛ لكن سيكون إقرارها من خلال المجلس، مشيرةً إلى أن هذه الحرية أو كما سماها النظام “الاستقلالية المنضبطة” ستحفز على التنافسية بين الجامعات الثلاث المختارة، ثم بعد عامين بين كل الجامعات، مؤكدةً على أنه لن تتمسك الجامعات بعد الآن بتخصصات عتيقة لا مستقبل لخريجيها، وستبحث عن الجديد والواعد، بل وستعمل المستحيل لتكون في الطليعة.

وأكدت د. نوف الغامدي على أن الجامعات السعودية مرت بمراحل تطويرية في الأعوام العشر الأخيرة؛ لكن تذبذبت بين الإقدام والتراجع؛ لأن نتائج التصنيفات العالمية أو المحلية كانت تقيس مؤشرات الأداء وتقدمه للجامعات فقط، مضيفةً أنه لم يكن للرقيب دور في المحاسبة أو المكافأة، لكن مع الوضع الجديد فإن عين الرقيب لن تكتفي بالنتيجة، البذل والعمل الدؤوب مطلوبان لإرضائه، مُشددةً على أن الجامعات الثلاث عليها اليوم عبء التحول، وبذل جهود كبيرة لتطبيق النظام، وهذا التحول سيشمل الوسائل والأفكار، وحتى الطموحات؛ لأن القيادة السياسية التي أقرت النظام لديها سقف عالٍ، وتنتظر خلال عامين من الآن نتائج ملموسة للتحرك في اتجاه الصعود، لذلك هو تحدٍّ كبير، وإقراره من مجلس الوزراء يؤكد مدى عناية القيادة بالتعليم ومخرجاته، وأيضاً ثقتها بمؤسسات التعليم ومنتسبيها، وإلاّ لم تكن لتضع نظاماً تقدمياً على هذا المستوى، مشيرةً إلى أن أنه لا بد على المؤسسات التعليمية الكبرى معالجة تحدياتها الجديدة بإيجاد مصادر جديدة للدخل، ورفع التعاون مع الشركات لتمويل الأبحاث، وتقديم الخدمات الاستشارية والعملية للمجتمع القريب من الجامعة، وإعادة البناء التنظيمي لمرافق وإمكانات الجامعة لرفع الكفاءة والإنتاجية، وهذا ما يهدف إليه فعلياً النظام الجديد، لكن يتضح بشكل جلي أن زيادة الاستقلالية في إدارة الأنشطة الاستثمارية والوقفية لن يجعل الجامعات مستقلة مالياً، وإنما سيكون عاملاً مساعداً على إدارة التزاماتها المالية، بينما تظل الحاجة قوية وكبيرة إلى الوصول إلى ترتيبات مستدامة وملائمة لنموذج الجامعة المحلية الناجحة، وهو ما تركه النظام على عاتق مجلس الجامعة ومجلس أمنائها، مضيفةً: ” لا أنسى تجربة جامعة حائل في إيجاد مصادر للدخل لها وهي تجربة محلية فريدة مميزة”.

واعتبر عبدالرحمن أحمد الجبيري – كاتب ومحلل اقتصادي – نظام الجامعات الجديد خطوة مهمة نحو تعزيز الأبعاد الاقتصادية والاستثمارية بما سيسهم في بناء منظومة استثمارية من شأنها زيادة التوسع النوعي في القبول ومقاربة مخرجات الجامعات مع احتياجات سوق العمل، من خلال التشاركية بين القطاعات القريبة من الحراك الوظيفي واتجاهات مستقبل الوظائف وما يرتبط بها من مجالات كالتقنية والبرامج التطبيقية المختلفة وصولاً إلى تحقيق المزيد من مستهدفات رؤية المملكة 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020 ومن ثم ممارسة أدوارها المستقبلية في خدمة المجتمع وتطوير ممكناتها المختلفة الاستثمارية والابتكارية وتعزيز مصادر الدخل لديها من خلال العديد من الفرص الجديدة المتاحة، متوقعاً أن يشهد المستقبل أيضاً اتجاهات جديدة وفرص واسعة في عمليات الاستثمار الجامعي والتوسع الأفقي في جانب العرض والطلب، ومرونة أعلى في تحقيق ميز نسبية كتفعيل المختبرات والخبرات والاختراعات والابتكارات في جوانب الاستثمار وفقاً لذلك لتكون منطلقات الأعمال بفكر استثماري مستقل محفز من شأنه تحقيق كفاءة تشغيلية عالية بأقل التكاليف الممكنة، لتواكب بدورها المعايير العالمية في البنية الاستثمارية وجودة المخرجات وتحقيق مؤشرات مهنية وتصنيفية متقدمة، ومن ثم توفير قنوات تمويل جديدة تولد المزيد من الممكنات.

وأشار إلى النظام سوف يعزز في ذات الاتجاه البرامج الوقفية ويشجع من خلاله القطاع الخاص والأفراد على الوقف للصرف منه في الأغراض التي تحدد وفق القواعد التي يقرها مجلس الأمناء، إضافةً إلى الكراسي العلمية وتأسيس شركات استثمارية مشتركة وإتاحة الفرصة للجامعات السعودية بإنشاء فروع لها في الخارج، وفي المقابل سيسمح النظام بافتتاح فروع للجامعات الأجنبية داخل المملكة وغيرها من الفرص التي ستخلق مصادر جديدة للتمويل خاصةً، حيث إن الجامعات لديها الكثير من الخبرات والكفاءات في مختلف المجالات والتخصصات وبالتالي لديها المقدرة على القيام بهذه الأدوار على أكمل وجه.

وتحدث د. سالم القحطاني – أستاذ الإدارة وخبير الاستراتيجيات والتطوير- قائلاً: إن وضع النظام الجديد للجامعات جعلها في محك تنمية الموارد الذاتية، لذلك فإن على الجامعات البحث عن أفضل السبل التي يمكن من خلالها تنمية مواردها الذاتية سواء من خلال الأوقاف وإنشاء الشركات أو الاستثمار في العقارات أو المباني التي تعود ملكيتها لها، أو الدخول في شراكات معينة مع جهات من القطاع الخاص سواء كان ذلك من خلال تقديم بعض الخدمات غير الأكاديمية أو من خلال إنشاء مشروعات استثمارية مشتركة كالشركات الناشئة وغيرها، مضيفاً أنه من أجل تحقيق الاستثمار المناسب للجامعات لتحقيق أهداف النظام الجامعي الجديد والذي يجب أن يكون من خلال النظر إلى الجامعات العالمية الغربية والتي استطاعت أن تنجح في تنمية مواردها الذاتية، والذي تحقق بعدة طرق مثل التركيز على البحوث والخروج باختراعات يمكن تحويلها إلى منتجات بعد ثبات جدواها والحصول على براءة الاختراعات، والتعاون مع القطاع الخاص لإنجازها على أرض الواقع، أو أن تقوم الجامعات باستثمار جزء من رأسمالها في سوق الأسهم أو بعض المشروعات التجارية التي تدر عليها أرباحا، مُشدداً على أهمية أن تقوم الجامعات بجذب القطاع الخاص المكتفي بنجاحاته للدخول معها في شراكات شريطة أن يكون لديها ما تقدمه له مثل أفكار أو اختراعات أو الشراكة معه في جزء من رأسمالها، موضحاً أن الخيارات المطروحة أمام الجامعات السعودية للاعتماد على نفسها في إدارة مواردها يجب أن تدرس بعناية قبل الإقدام عليها؛ لأن كل خيار له خصائصه الذي يميزه عن غيره، فإنشاء الشركات يجب أن يخدم البحث العلمي وأهداف الجامعة التي تضعها وفق خطط مدروسة لتقديم العائد المالي الطموح لها.

ولفت إلى أنه بالنسبة للأوقاف فبعض الجامعات لديها فرص أفضل لنجاح أوقافها عن جامعات أخرى من جانب الكثافة السكنية والمواقع الجغرافية والقيمة العقارية لمنطقتها، فالجامعات التي تتبع منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة فهذه المواقع يمكن الاستثمار فيها من خلال المباني كمشروعات سكنية مثلاً وسيكون العائد مجزياً، أمّا الجامعات التي تقع في مناطق الفرص الاستثمارية فيها ضعيفة ففرصها ستكون محدودة من خلال الاستثمار في مشروعات عبر الطرق السريعة والتجارية، أو تشييد فنادق في الحرم الجامعي أو غير ذلك من الفرص، لذلك لا يجب أن ننظر للجامعات برؤية واحدة لاختلاف مواقعها وظروفها وخصائصها وإمكاناتها وخبرتها التعليمية.

 

(الرياض)

زر الذهاب إلى الأعلى