لماذا غضب الصحويون على “تويتر”؟

على خلفية إعلان رئاسة أمن الدولة في #السعودية حديثاً، عن رصد أنشطة استخباراتية لمجموعة من الأشخاص لصالح جهات خارجية ضد أمن المملكة ومصالحها ومنهجها وسلمها الاجتماعي بهدف إثارة الفتنة، كان اللافت فيما تردد من أسماء من تم إيقافهم من السعوديين والأجانب، بحسب ما تسرب من أسماء وفقا لإعلان أسرهم أو المقربين منهم، من خلال حساباتهم الشخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والجامع ما بين تلك الأسماء، هو الانتماء إلى التيار الإسلاموي الصحوي، والأخير لم يكن المشترك الوحيد فيما بين مخضرمي “الصحوة” وحدثائهم، وإنما كان كذلك رصيد الحسابات التويترية التي زخمت بـ”مليونياتها”. فالوظيفة “التبشيرية” للإسلامويين وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين التي تنتمي لها بعض الأسماء معنويا وروحيا، مرهون نجاحها بحجم “أتباعها”.
“هو تمدد افتراضي رقمي” سعى من خلاله التيار الصحوي الراديكالي في الدرجة الأولى، إلى الإيهام بحجم تأثيره وقوة حضوره في المشهد السعودي، بعد استباحته لكافة تقنيات “الحداثة”، (والتي لطالما قاومها)، متمثلة بمواقع التواصل الاجتماعي سواء أكانت عبر ” #تويتر” أو ” #فيسبوك”، أو ” #سناب_شات” وكذلك ” #إنستغرام”، كما قاوم النشاط الصحوي من قبل القنوات الفضائية ثم أصبح الأكثر حضورا على شاشة الفضائيات.
يذكر أن الرهان على حجم أرقام المتابعة المشكوك فيه كأداة للمقايضة والمساومة، سبق لأحد النشطاء الإسلاميين، قبل عصر مواقع التواصل الاجتماعي، أن اغتر حينها بحجم الاتباع مطلع التسعينات بالسعودية، متخذا منهم وسيلة للتمرد والفوضى والخروج عن القانون.
وتدور الأيام ويصبح هذا الرمز الحركي نفسه، أبرز من تردد اسمه في الخلايا الاستخباراتية التي قبضت عليها السعودية مؤخرا.
ظاهرة التمدد الافتراضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتيارات الإسلام السياسي، كانت قد بدأت مبكرا حتى ازدهر وأينع مع ما يسمى بالربيع العربي، بدءا بتونس إلى #مصر و #ليبيا واليمن وسوريا، والتي أطلق عليها رعاتها بـ “ثورات الفيسبوك وتويتر”.
وعما جاء في باب تويتر للنجم الصحوي في 2011: “تويتر وفيسبوك مدرسة جديدة تعلمت منها وتعرفت على جيل جديد فاتني أن ألقاهم على مقاعد الدراسة فوجدتهم هنا وأرجو أن يكونوا وجدوني أو بعضهم”، وتغريده أخرى في 2012: “تويتر هو صوت همسنا وبوحنا حين يعلو!”
هل حقاً ثورات “الفيسبوك ” و”تويتر”؟
سعى اليسار الغربي ولفيف من الليبراليين والقوميين والثورجيين العرب ومن دار في فلكهم، إلى تقديم وسائط الإنترنت “الحداثية” كـ “فتح ثوري” و”مأوى المهمشين” في الأرض، وبالطبع بعد توظيفه كبديل للإعلام التقليدي أو الرسمي. ليبدأ ما يسمى بـ “ثورات الشعوب” التي لعبت فيها الإيدلوجيا الإخوانية وما يتفرع عنها على مستوى العالم العربي” باستخدام مواقع التواصل دوراً رئيسياً بها.
يعبر عن هذا المعنى تغريدة الرمز الحركي الآنف ذكره عن مفهومه لتويتر دونها في 2013/1: “زمن الرسالة الواحدة الصادرة من الأعلى الى الأدنى أو قناة رسمية، غير عصر “تويتر وفيسبوك، ويوتيوب”. ويقول في أخرى 11/2013: “يقولون إن تويتر يفتقد للمصداقية ومعهم بعض الحق، فهل يجدون المصداقية في الإعلام الرسمي”، وفي تغريدة أخرى 6/2013: “مهما تكن عيوب تويتر فهو مرآة صادقة تنعكس عليها صورة المجتمع الحقيقي إذا سلم من التجييش والانتحال”.
تفسير هذا الاهتمام يأتي رغبة في توظيف “المضغة الاجتماعية الشبابية” التي لطالما كانت وبقيت، في سلوك التنظيمات الإسلاموية كما ذكر المفكر الإسلاموي الكويتي الدكتور عبد الله النفيسي في كتابه “الحركة الإسلامية ثغرات في الطريق”، ليقع الاختيار على مواقع التواصل باعتبار أن الشباب هم الأكثر استهلاكا للتكنولوجيا.
“استقطاب” الشباب و”تجنيدهم” من قبل الحركيين فسره جيدا الدكتور النفيسي: “فالطلبة هم أكثر الناس إدراكا للعلاقة بين الحقوق العامة والنظام العام ولذا كان تجاوبهم مع القضية العامة في المجتمعات البشرية دائما الأكثر حيوية، ومن المعروف كذلك أن قطاع الطلاب في كل المجتمعات يتزايد ويتضاعف يوما إثر آخر، كذلك تعاملهم وسهولة الاتصال فيما بينهم. وتفيد الدراسات أن قطاع الطلاب هو أكثر الفئات مقدرة على التحرر الاجتماعي من الخلفيات العائلية والطبقية والإقليمية، ومن هنا نقول إن الحركة الإسلامية ربما تجد من الأنسب التعويل على الحركة الطلابية في نهاية المطاف”.
ومن واقع هذا الفهم، عمد النشطاء الإسلامويون الحركيون ومنذ 2011 إلى ضخ مئات الآلاف من الحسابات الإلكترونية وعبر مختلف الوسائط، لاعبة حينها ما أطلق عليه البعض بـ “البلطجة ” أو “التشبيح” الإلكتروني، وجهت سهامها بالتخوين والتفسيق والتبديع، لكتاب ومثقفين ونشطاء تويتريين مناهضين لدعوات الحركيين، وذلك من خلال لجان إلكترونية، وعشرات الآلاف من الحسابات الوهمية.

منها كان تغريدة لأحد المعرفات الشهيرة والتي برزت في دفاعها عن التيار الصحوي والإسلامويين الحركيين “أبو شلاخ الليبرالي”: “استبدوا بآرائكم وحدكم كما تريدون، في الصحف، والقنوات، والمعارض، والمؤتمرات، إلا تويتر، ساحتنا نحن يا سفلة، هنا نعريكم ونكشف وضاعتكم”.
وبخلاف ما تصوره طائفة الشباب أنهم وحدهم صناع القرار والتغيير، إلا أنه في الحقيقة لم تكن “المضغة الاجتماعية”، سوى مجرد أداة تسويقية للمنتج الإيديولوجي الذي أراد له الحركيون أن يكون.
أحد المعرفات السعودية التي كانت تتصدى لتيارات الإسلام السياسي والثورية “احمد ميكافيللي”، التقط مؤخرا ما وصفه بالحرب التي شنت بحق نشطاء “السوشيال ميديا” المناهض لتيارات الإسلام السياسي، وشراسة الآلة الإعلامية للإخوان حينها، بهدف التعبئة: “عندي فضفضة أو رسالة، أوجهها لنفسي لأيتام فترة ما بين 2012 الى 2016 أتمنى تنفهم صح ومحد يزعل.. تذكرون يوم كانوا يقولون أردوغان إمام المسلمين ويجيهم ريتويت بالآلاف وحنا نكتب الملك عبد الله إمام المسلمين يجينا 9 ريتويت والمنشن كله سب “مطبل، جامي.. الخ.. يوم كانوا الإخوان وداعش ينشرون تعاطفهم في تويتر والإعلام ونرد عليهم ويجينا هجوم وتخوين، تذكرون يوم كنا في عز ظهور داعش وتحذيرنا منها كيف تم تلميع المتعاطفين معها.. تذكرون يوم كبار الدعاة والمشاهير ليلة إعلان مرسي رئيسا على مصر شبهوه بالأنبياء وبشروا بالخلافة. ما بقي في تويتر إلا حنا نردد وعلى خجل يا جماعة ما هو صحيح اللي يصير”.
وأضاف فيما واجهه النشطاء المناهضون للحركيين والتيارات الجهادية الراديكالية: “بعضنا واجه تهديدات وسب وشتم وصل للأعراض وياما سهرنا مع بعض لدفع هاشتاغ مسيء وتصحيح مفاهيم واحتضان التائهين”.
هذه “المحنة” نجد ما يشير إليها في حساب الرمز الحركي الشهير والموقوف أمنيا، وما يعبر جليا عن حملة التشويه التي عملت على إفقاد الرموز الشرعية والسياسية والاجتماعية قيمتها. فكتب في تغريدة له أطلقها في 2013: “الجيش الأمني في تويتر وقنوات (شبه) حكومية يرمي كل ناصح بأنه (محرض)، وكل داع إلى الإصلاح السياسي بأنه (طامع)، بينما الوعي يكبر وينمو!”.
موت الإيديولوجيا
نجح التيار الجهادي الراديكالي والإسلاميون الحركيون ومنذ 6 سنوات، عقب تمددهم الافتراضي من خلال وسائط الإنترنت، المتحررة من كل الضوابط والقيود، من توتير القيم والإيديولوجيات السائدة، وتفكيك مفهوم الهوية التقليدي والهوية الوطنية، متزامنا مع ذلك تجنيد الآلاف من الشباب المقاتل ضمن صفوف الجماعات المتطرفة كـ “داعش” و”القاعدة”.
وحينها كانت مسألة وضع ضوابط لطبيعة التفاعل على هذه المنصات “الإنترنتية” موضع جدل.
فبينما كان الإسلاميون من أنصار عدم وضع ضوابط بحجة الحرية، وأنها لغة العصر، حتى بعد أن بلغ عدد الحسابات الداعشية 45 ألفا، و3 ملايين تغريدة تروج وتؤيد لداعش على تويتر لحسابات ومعرفات وهمية تدعي انطلاقها من السعودية.
كان آخرون يرون أن لا مناص من وضع ضوابط إلكترونية إذ لا يوجد فرق بين الخطأ في العالم الواقعي أو الافتراضي فالقانون هو القانون في أي مكان وزمان.
وشن رموز من التيار الحركي في السعودية حملات على من طالب بوضع ضوابط على منصة تويتر تحديدا، والذي هو أكثر التطبيقات استخداما في السعودية.
وبعد تفجر الأزمة العربية مع #قطر بقيادة الدول الأربع السعودية والإمارات والبحرين ومصر، شهد تويتر هبة قوية من السعوديين لمساندة مواقف دولتهم ضد السياسات القطرية ومحاسبة كل من يروج للدعايات القطرية في السعودية.
كان ذلك كفيلا بتصعيد حملة أخرى معادية، واجهها كتاب ومثقفون وشرعيون، شاجبين للسياسة القطرية في المنطقة، مطلقين عليهم أوصافا مختلفة منها “الوطنجيين”، أو “الوطنيين الجدد”، أو “المباحث”، وعلى الرغم من كون ردة فعل بعض المعرفات في شق منه رسمي، إلا أنه ومن المؤكد أن معظمه تفاعل طبيعي.
إلا أن تصاعد القلق من قبل الحركيين من قرب لحظة “موت الإيديولوجيا” الحركية- الأصولية، بعد فساد مآلاتها وتغير معطياتها، مقابل صعود رأي عام جديد متحمس للهوية “الوطنية”.
دفع هذا الى نشوب حرب إلكترونية تصاعدت خلالها الأصوات المضادة، والآلية كانت من قبل الحركيين، بإسقاط الرموز الشرعية والسياسية والاجتماعية، فكل من اختلف معهم هم ذباب ومأجورين وليسوا مواطنين طبيعيين.
وهنا انقلبت الآية فعاد الصحويون وأنصارهم ممن دافعوا عن تويتر وتغنوا به بالأمس إلى شاجبين له اليوم ومطالبين بضبطه فهل انقلب السحر عن الساحر؟.
فكما قال زياد ادريس الكاتب المحسوب على الإسلاميين، مؤخرا، معبرا عن غضبه واستيائه، رغم كونه أحد أبرز المنافحين عن منصة تويتر، في تغريدة له:” تويتر أصبح من وسائل (الانفصال) الاجتماعي!”.
في حين كان إدريس هو ذاته من تصدى لكافة الدعوات المطالبة بضبط “تويتر” مع تصاعد آلة العنف والتطرف “داعش” و”القاعدة” قائلا في تغريدة له: “مطالبة رموز ليبرالية الآن بإغلاق تويتر لدحر الشر تشبه مطالبة رموز إسلامية سابقا بمنع الدشوش لنفس الغرض (النبيل)، آلية التفكير هي هي!”
وأضاف أسفل هاشتاغ “إغلاق تويتر” وذلك في 2013: “إذا استمر نفوذ تويتر بالتصاعد، فخلال مدة وجيزة لن ننسى الصحف الورقية فقط بل حتى الصحف الإلكترونية”.
الكاتب السعودي “مشاري الذايدي” كان قد تلقى هجوما لاذعا، بعد مقال له في صحيفة الشرق الأوسط، والمنشور في 3 يونيو 2015 ، والذي اعتبر أن رأيه تم تحريفه بصورة متعمدة ضمن الهجمة المصطنعة وتحويره الى مطالب بمنع تويتر.
وكان الكاتب الذايدي قد طالب بالسيطرة على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” في السعودية على اعتبار أنه وسيلة “داعش” إلى الانتشار السريع.
وكتب: “بصراحة، لو تمت السيطرة على تويتر، وأشباه تويتر، لما بلغت داعش هذا المستوى من التضخم والتوسع.. قلت هذا الكلام مرارًا، هنا في هذا المكان، وغضب من كلامي كثر من عشاق السوشيال ميديا؛ لكن الأيام تثبت كل يوم صحة هذه الخلاصة”.
وأضاف: “.. فمن أجل تحجيم داعش ومنع (ماسورة) التجنيد والتحشيد، المطلوب، حاليا، فقط إقفال هذه الماسورة التي اسمها “تويتر”، مستطردا: “المنع هو الحل، مثلما تمنع المجنون أو الطفل من العبث برشاش كلاشينكوف مذخر”.
وعلّق على ذلك حينها خالد العلكمي، أحد النشطاء على موقع التواصل الاجتماعي، ، بالقول: “المطالبات بحجب تويتر بهدف محاربة الإرهاب، مثل منع الحديث عن الفقر بدلًا من القضاء عليه”.
اليوم، وفي ظل المعطيات السياسية الأخيرة في المنطقة العربية، والخليجية على وجه الخصوص، يبدو أن لسان حال “التويتريين الجدد” هذه بضاعتكم قد ردت إليكم فمن يزرع الريح يحصد العواصف، ومن ينشر الفتن يجني الخراب”.